تغريد
الحمد لله وكفى والصلاة والسلام على النبي المصطفى وعلى آله وصحبه ومن سار على نهجه واقتفى ، و بعد :
فقد منّ الله على هذه البلاد أن جعل فيها العلماء ، فاللبيب من عرف لهم حقهم و قدرهم فارتحل للجلوس بين أيديهم لأجل التحصيل و الطلب، و إنّ و الله المُكثر لهم من الزيارة المخلص لله في عمله ، ليتخلق بأخلاقهم، و يقتبس من سمتهم و أدبهم قبل أن يأخذ من علمهم .
كيف لا و هم قوم عرفوا مقام الأدب ومكانه فأولوه اهتمامًا عظيمًا، فجدّوا في طلبه لأنفسهم، ونصحوا به طلابهم، وأمروا به أبناءهم، وجعلوه مطلبًا أساسيًا قبل العلم، إذ كل علم بلا أدب لا منفعة فيه. وقد كان أحدهم يرحل في الأدب الواحد السنة والسنتين، وكانوا يتعلمون الأدب كما يتعلمون الحديث..
هكذا عرفناهم و لله الحمد لهم سلف . قيل للإمام أحمد : جزاك الله عن الإسلام خيرا. فقال : لا ، بل جزى الله الإسلام عني خيرا من أنا ، وما أنا ؟ لا يغترون بأنفسهم و يحيل بعضهم على بعض .
ومن بعض الصور التي بقيت راسخة في ذهني من صور تواضع الشيخ الوالد أزهر سنيقرة حفظه الله تعالى ووفقه للخير ، و ما أكثرها. إلا أن الصورة هي أعجب و أغرب مما مرّ علي ّ ، وكان هذا بعد فراغ الشيخ حفظه الله تعالى من مجلسه في التعليق على كتاب تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان لصاحبه الإمام السعدي رحمه الله تعالى ، ليلة الإثنين 19 من ربيع الأول 1438 ، و شروعه في الإجابة على بعض أسئلة من حضر . وهي والله لعبرة لأنصاف العلماء أو ممن شيخوهم أتباعهم ، و الذين لن يخطر ببالهم أن يفعلوا نصف ما فعله شيخي أبا عبد الله.
أقول لنفسي و لإخواني : بمثل هذه الآداب و الأخلاق تبلغ يا طالب العلم ، وما أحوجنا و الذين يتصدرون الناس لدعوتهم إلى ربهم ، أن يتعلموا الأدب ليزرعوه في قلوب من يعلّمون .
و الحمد لله رب العالمين و الصلاة و السلام على أفضل المتواضعين و سيّد المتأدبين.